Malek Jandali | Watani Ana I Am My Homeland
Malek Jandali | Watani Ana I Am My Homeland

مالك جندلي | وطني أنا

أغنية للوطن كان ميلادها عام 2011 في خضّم الثورة السورية عندما هبّ الشعب السوري وثار وانتفض في وجه الديكتاتورية والاستبداد والطغيان، منادياً بالحرية وحقوق الإنسان والعدالة مطالباً بالكرامة ماضياً في سبيلها دافعاً الأثمان الباهظة حتى صار مثالاً للشجاعة والتضحية والفداء. أمام ذلك الحدث الوطني الجلل واللحظة التاريخية المدوية وأثرها الهائل تفجرت ينابيع التعبير بالكلمة والموسيقى، انطلاقاً من الشعور الوطني الجارف والإحساس بالمسؤولية الأخلاقية والالتزام بالمواقف الصريحة المعلنة، كتب مالك جندلي كلمات الأغنية بنفسه وألف لحنها الموسيقي، فعبّر بالكلم عن شعوره الخاص تجاه وطنه وما يرجوه حقاً لهذا الوطن من حرية هي أسمى ما يمكن أن تنعم به الأوطان، وعبّر بالنغم عن آلام الوطن وجروحه وعن صوت القلب السوري الحزين الملهوف على بلاده، أما الغناء فقام به كل من المغنية الفلسطينية سلمى حبيب والمغني العراقي علي وعد.

بإحساس مواطن سوري عبّر مالك جندلي عن مشاعر كل امرئ محب لوطنه سواء في سوريا أو في أي بلد آخر، خصوصاً البلدان التي لم تتحقق فيها الحرية بعد، ولخّص في كلمات مختصرة علاقة المرء الفطرية بالوطن وتلك الرابطة الأبدية التي تربطه به حتى وإن اغترب عنه مكانياً، حيث يقول في مطلع الأغنية: “وطني أنا وأنا وطني”. تختصر تلك العبارة القصيرة معنىً واسعاً كبيراً، فكينونة الإنسان لا تنفصل عن الوطن، والوطن يحلُ في نفس الإنسان فيقّر فيها ولا يغادرها أبداً، وعندما يرتحل المرء فإنه يرتحل بوطنه في داخله ويحمله معه أينما يذهب فيتكون اتحاد لا ينفصم هو اتحاد الوجود، في هذا العمل لم يقتصر الأمر عند مالك جندلي على التعبير بالموسيقى والأنغام فقط، بل إنه هنا يقول كلمته المسموعة على لسان الصوت الغنائي وقد أضاف إلى لغة الموسيقى لغة أخرى ووسيلة إضافية من وسائل التعبير هي الكلمة.

أثارت أغنية وطني أنا أعداء الحياة والحرية، فاشتعل الحقد وامتدت يد الإجرام لتطال والدي الموسيقار مالك جندلي بالأذى والاعتداء عليهما داخل منزلهما في مدينة حمص، بعد أن قام الموسيقار مالك جندلي بعزف الأغنية في مسيرة سلمية أمام البيت الأبيض في واشنطن عام 2011، وقد ضربت هذه الأغنية مثلاً على مدى قوة الموسيقى والفن عموماً، ذلك النور الباهر الذي يؤرق سادة الظلام أعداء الحرية، الذين يرون في الموسيقى وما تنشره من وعي وحس ويقظة خطراً يهدد وجودهم، ويخلق بيئة إنسانية مثالية لا يمكن لهم أن يحيوا فيها وسط أجواء النور وقيم العدل والحرية والسلام والرقي البشري.

تقول كلمات الأغنية:

وطني أنا وأنا وطني

حبك نار في فؤادي

متى أراك يوماً حراً يا وطني؟

 

يوم تعلو في سماك شمس الكِرم 

وللوفاء والحب يكتب القلم

يوم تُسقى أرضك من نهر القيم

من دم الشهيد وأصحاب الهمم

ويهتف الشعب: حرية الأمم حرية الأمم

 

يا بلادي يا مهد البشر

نور الحضارة منها انتشر

موطن الأنبياء مرقد الشهداء

ندعو رب السماء أن يُزيل البلاء

عن بلادي وأهلي وكل البشر

 

على أنغام البيانو والتشيللو تسير الأغنية وينتقل اللحن والغناء من أداء هادئ بطيء إلى أداء أقرب إلى طريقة غناء الأناشيد الوطنية لكن دون علو صاخب أو قوة هادرة، حيث ينبض البيانو بنبض الأمل والحلم بالحرية. يبدأ العمل بلحن حزين هو لحن مطلع الأغنية أو المقطع الأول منها الذي يقول: “وطني أنا وأنا وطني.. حبك نار في فؤادي.. متى أراك يوماً حراً يا وطني؟” نسمع هذا اللحن بصوت البيانو أولاً ثم بصوت التشيللو الذي يمثل الشعور الأعمق والأكثر حزناً في موسيقى الأغنية، حيث قلوب تتمزق ألماً على وطنها وحيوات تضيع ونفوس تباد، وشعوب تُحرم من فرصة وجودها على هذه الأرض في هذه الحياة، وتُمنع من بناء أوطانها والعمل على رفعتها وتقدمها، هي موسيقى الحزن والأسى عندما لا يكون الوطن بخير على الإطلاق.

 “متى أراك يوماً حراً يا وطني؟” سؤال يختتم به مالك جندلي المقطع الأول من الأغنية الذي يتكرر في نهاية الأغنية أيضاً، وقد لحنّه بتدرج وتصاعد خفيف، كما لو أن المرء يتعلق بالكلمات ويتشبث بها تشبث النجاة وينتقل بإصرار من كلمة إلى أخرى، يتردد السؤال بتلهف وشوق الظمآن إلى الحرية، المتطلع إلى اليوم الذي تشرق فيه شمسها على الوطن.

تجمع الأغنية بين جمال اللحن وميلوديته ورهافة النغم، وقوة التأثير النابع من الموسيقى والكلمات والغناء الذي يتراوح بين الأداء الفردي والأداء الثنائي ما يخلق تنوعاً في ألوان التعبير والإحساس،  وعلى الرغم من الحزن الكبير في الأغنية إلا أنها لا تخلو من الأمل، حيث تبدأ حزينة في البداية بمشاعر الأسى والتأسف على حال الوطن الفاقد لحريته، ثم ينشط اللحن ويقوى إيقاعه قليلاً وتدب فيه روح الأمل والعزم، بمجرد تخيل الصورة المرجو للوطن، ثم يأتي بعد ذلك تمجيد الوطن وذكر قيمته الغالية ومآثره الرفيعة، ومكانته الإنسانية والحضارية والروحية، وفي النهاية تكون الصلاة من أجل الوطن والشعب والدعاء وأمنيات الخير والسلام لجميع البشر. فهي أغنية تنشد الحرية لسوريا وجميع الأمم الراسفة في أغلال القهر والاستبداد أو التي تتعرض لبلاء من أي نوع، وترجو الخير والسلام لكل البشر على اختلاف أجناسهم وأعراقهم، وتحلم باستعادة المجد القديم لوطن كان مبعث الحضارة والنور والفن والروحانيات.

تقترن الأغنية بتاريخ الثورة السورية ونضال الشعب السوري من أجل الحرية، وتعرضه لأنواع شديدة من القمع وجرائم الإبادة الجماعية والقتل والاعتقال والتشريد والتهجير القسري، ووقوعه في مأساة إنسانية هائلة لن ينساها التاريخ.

وطني أنا كلمات صيغت في لحظة تاريخية مفصلية من حياة الشعب السوري، وأنغام انبعثت من جرح الوطن النازف في القلب، فيها ترتسم معاني الوطنية الصادقة والنزعة الوثابة نحو الحق والعدل والسلام في حلم جميل بوطن حر كريم.